فصل: ما الذي شرعه الإسلام للأمور الحاجية للناس؟

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: علم أصول الفقه



.ما الذي شرعه الإسلام للأمور الحاجية للناس؟

الأمور الحاجية للناس، كما قدمنا ترجع إلى ما يرفع الحرج عنهم، ويخفف عليهم أعباء التكليف، وييسر لهم طرق المعاملات والمبادلات، وقد شرع الإسلام في مختلف أبواب العبادات والمعاملات والعقوبات جملة أحكام المقصود بها رفع الحرج، واليسر بالناس.
ففي العبادات، شرع الرخص ترفيهاً وتخفيفاً عن المكلفين إذا كان في العزيمة مشقة عليهم، فأباح الفطر في رمضان لمن كان مريضاً أو على سفر، وقصر الصلاة الرباعية للمسافر، ولصلاة قاعداً لمن عجز عن القيام، وأباح التيمم لمن لم يجد الماء، والصلاة في السفينة ولو كان الاتجاه لغير القبلة، وغير ذلك من الرخص التي شرعت لرفع الحرج عن الناس في عباداتهم.
وفي المعاملات، شرع كثيراً من أنواع العقود والتصرفات التي تقتضيها حاجات الناس، كأنواع البيوع والإيجارات والشركات والمضاربات ورخص في عقود لا تنطبق على القياس، وعلى القواعد العامة في العقود، كالسلم وبيع الوفاء والاستصناع، والمزارعة، والمساقاة، وغير ذلك مما جرى عليه عرف الناس ودعت إليه حاجتهم. وشرع الطلاق للخلاص من الزوجية عند الحاجة، وأحل الصيد وميتة البحر والطيبات من الرزق، وجعل الحاجات مثل الضروريات في إباحة المحظورات.
وفي العقوبات جعل الدية على العاقلة تخفيضاً عن القاتل خطأ، ودرأ الحدود بالشبهات، وجعل لولي المقتول حق العفو عن القصاص من القاتل.
وقد دل على ما قصده بهذه الأحكام من التخفيف ورفع الحرج بما قرنه ببعضها من العلل والحكم التشريعية، وكقوله تعالى: {مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ} [المائدة: 6]، وقوله سبحانه: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78]، وقوله تعالى: {يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185]، وقوله: {يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً} [النساء: 28]، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «بعثت بالحنيفة السمحة».

.ما الذي شرعه الإسلام للأمور التحسينية للناس؟

الأمور التحسينية للناس- كما قدمنا- ترجع إلى كل ما يحمل حالهم ويجعلها على وفاق ما تقتضيه المروءة ومكارم الأخلاق. وقد شرع الإسلام في مختلف أبواب العبادات والمعاملات والعقوبات أحكاماً تقصد إلى هذا التحسين والتجميل وتعود الناس أحسن العادات، وترشدهم إلى أحسن المناهج وأقومها.
ففي العبادات شرع الطهارة للبدن، والثوب، والمكان، وستر العورة، والاحتراز عن النجاسات، والاستنزاه من البول. وندب إلى أخذ الزينة عند كل مسجد، وإلى التطوع بالصدقة والصلاة والصيام، وفي كل عبادة شرع مع أركانها وشروطها آداباً لها، ترجع إلى تعويد الناس أحسن العادات.
وفي المعاملات حرم الغش والتدليس والتغرير والإسراف والتقتير، وحرم التعامل في كل نجس وضار، ونهى عن بيع الإنسان على بيع أخيه، وعن تلقي الركبان، وعن التسعير، وغير ذلك مما يجعل معاملات الناس على أحسن منهاج.
وفي العقوبات، يحرم في الجهاد قتل الرهبان والصبيان والنساء، ونهى عن المثلة والغدر، وقتل الأعزل، وإحراق ميت أو حي.
وفي أبواب الأخلاق وأمهات الفضائل، قرر الإسلام ما يهذب الفرد والمجتمع ويسير بالناس في أقوم السبل. وقد دل سبحانه على قصده هذا التحسين والتجميل بالعلل والحكم التي قرنها ببعض أحكامه، كقوله تعالى: {لَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ} [المائدة: 6]، وقول لرسول صلى الله عليه وسلم: «وإنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، وقوله عليه الصلاة والسلام: «إن الله طيب لا قبل إلا طيبا».
فاستقراء الأحكام الشرعية والعلل والحكم الشرعية في مختلف الأبواب والوقائع ينتج أن الشارع الإسلامي ما قصد من تشريعه الأحكام إلا حفظ ضروريات الناس وحاجيتهم وتحسينياتهم، وهذه هي مصالحهم.
وقد أفاض الإمام أبو إسحاق الشاطبي في أول الجزء الثاني من كتاب الموافقات في إثبات هذا بما لا مزيد عليه، وبعد أن أتى بأمثلة عديدة من أحكام الشريعة وحكم تشريعها تدل على أن كل حكم شرعي، إنما قصد بتشريعه حفظ واحد من هذه الثلاثة التي تتكون منها مصالح الناس، قال ما نصه: (إن الظواهر، والعمومات، والمطلقات، والمقيدات، والجزئيات الخاصة في أعيان مختلفة ووقائع مختلفة في كل باب من كل أبواب الفقه وكل نوع من أنواعه، ويؤخذ منها أن التشريع دائر حول حفظ هذه الثلاث التي هي أسس مصالح الناس).
وقد اقتضت حكمة الشارع الإسلامي وما أراده من حفظ هذه الأنواع الثلاثة على أتم وجه، أن شرع مع الأحكام التي تحفظ كل نوع منها أحكاماً تعتبر مكملة لها في تحقيق هذه المقاصد.
ففي الضروريات لما شرع إيجاب الصلاة لحفظ الدين، شرع أداءها جماعة وإعلانها بالأذان، لتكون إقامة الدين وحفظه أتم بإظهار شعائره والاجتماع عليها.
ولما أوجب القصاص لحفظ النفوس، شرع التماثل فيه ليؤدي إلى الغرض منه من غير أن يثير العداوة والبغضاء، لأن قتل القاتل بصورة أفظع مما قد يؤدي على سفك الدماء وإلى نقيض المقصود من القصاص.
ولما حرم الزنا لحفظ العرض حرم الخلوة بالأجنبية سداً للذريعة.
ولما حرم الخمر حفظاً للعقل حرم القليل منه ولو لم يسكر.
وجعل كل ما لا يتم الواجب إلا به واجباً، وكل ما يؤدي إلى المحظور ومحظوراً، وحذر من كثير من المباحات وقيد كثيراً من المطلقات، وخصص كثيراً من المطلقات، وخصص كثير من العمومات سداً للذرائع. ولما شرع الزواج للتوالد والتناسل، اشترط الكفاءة بين الزوجين تكميلاً للوفاق وحسن المعاشرة، فالأحكام التي شرعها لحفظ الضروريات كملها بتشريع أحكام تحقق هذا المقصد على أكمل وجوهه.
وفي الحاجيات لما شرع أنواع المعاملات من بيوع وإيجارات وشركات ومضاربات، كملها بالنهي عن الغرر والجهالة وبيع المعدوم، وبيان ما يصح اقتران العقد به من شروط وما لا يصح، وغير ذلك مما يقصد به أن تكون المعاملات فيها سر حاجة الناس من غير أن تثير الخصومات والأحقاد.
وفي التحسينيات لما شرط ندب فيها عدة أشياء تكلمها، ولما ندب إلى التطوع جعل الشروع فيه موجباً له، حيى لا يعتاد المكلف إبطال عمله الذي شرع فيه قبل أن يتمه، ولما ندب إلى الإنفاق ندب أن يكون الإنفاق من طيب الكسب.
فمن حقق النظر في أحكام الشريعة الإسلامية، يتبين أن المقصود من كل حكم شرع فيها: حفظ ضروري للناس، أو حاجي لهم، أو تحسيني، أو مكمل لما يحفظ واحداً منها.

.ترتيب الأحكام الشرعية بحسب المقصود منها:

مما قدمنا في بيان المراد من الضروري والحاجي والتحسيني يتبين أن الضروريات أهم هذه المقاصد لأنها على فقدها اختلال نظام الحياة، وشيوع الفوضى بين الناس وضياع مصالحهم. وتليها الحاجيات، لأنه يترتب على فقدها وقوع الناس في الحرج والعسر، واحتمال المشقات التي قد تنوء بهم، وتليها التحسينيات، لأنه لا يترتب على فقدها اختلال نظام الحياة ولا وقوع الناس في الحرج، ولكن يترتب على فقدها خروج الناس على مقتضى الكمال الإنساني والمروءة وما تستحسنه العقول السليمة.
وعلى هذا: فالأحكام الشرعية التي شرعت لحفظ الضروريات أهم الأحكام وأحقها بالمراعاة، وتليها الأحكام التي شرعت لتوفير الحاجيات، ثم الأحكام التي شرعت للتحسين والتجميل، وتعتبر الأحكام التي شرعت للتحسينيات كالمكملة التي شرعت للحاجيات. وتعتبر الأحكام التي شرعت للحاجيات كالمكملة للتي شرعت لحفظ الضروريات.
فلا يراعى حكم تحسيني إذا كان في مراعاته إخلال بحكم ضروري أو حاجي، لأن المكمل لا يراعى إذا كان في مراعاته إخلال بما هو مكمل له، ولذا أبيح كشف العورة إذا اقتضى هذا علاج أو عملية جراحية، لأن ستر العورة تحسيني، والعلاج ضروري. وأبيح تناول النجس إذا كان دواء أو اضطر إليه، لأن الاحتراز عن النجاسات تحسيني، والمداواة ودفع الضروريات ضروري. وكذلك أبيح بيع المعدوم في السلم والاستصناع، واغتفرت الجهالة في المزرعة والمساقاة وبيع الغائب، لأن حاجة الناس قضت بأن تراعى هذه التحسينات.
ولا يراعى حكم حاجي إذا كان في مراعاته إخلال بحكم ضروري، ولهذا تجب الفرائض والواجبات على المكلفين الذين ليسوا في حال تبيح الرخصة وإن شق عليهم ما كلفوا به، وإذ كل تكليف فيه إلزام بما فيه كلفة ومشقة، فلو روعي أن لا تنال المكلف أية مشقة لأهملت عدة من الأحكام الضرورية من عبادات وعقوبات وغيرها، لن كل ما أمر به المكلف أو نهى عنه لحفظ الضروريات لا يخلو امتثاله من مشقة عليه، ولكن احتملت هذه المشقة في سبيل حفظ الضروريات للمكلفين.
وأما الأحكام الضرورية فتجب مراعاتها، ولا يجوز الإخلال بحكم منها إلا إذا كانت مراعاة ضروري تؤدي إلى الإخلال بضروري أهم منه. ولهذا أوجب الجهاد حفظاً للدين وإن كان فيه تضحية النفس، لأن حفظ الدين أهم من حفظ النفس، وأبيح شرب الخمر إذا أكره على شربها بإتلاف نفسه أو عضو منه أو اضطر إليها في ظمأ شديد، لأن حفظ النفس أهم من حفظ العقل. وإذا أكره على إتلاف مال غيره، أبيح له أن يقي نفسه الهلاك بإتلاف مال غيره. فهذه الأحكام فيها إهمال حكم ضروري مراعاة لحكم ضروري أهم منه.
فقد ثبت بالبرهان أن مقاصد الشارع مما شرعه من الأحكام، لا تعدو حفظ واحد من الثلاثة أو ما يكمله، وأن هذه المقاصد مرتبة في مراعاتها حسب أهميتها، وعلى ترتيبها رتبت الأحكام التي شرعت لتحقيقها.
وعلى هذه القاعدة الأصولية التشريعية الأولى، وضعت المبادئ الشرعية الخاصة بدفع الضرر، والمبادئ الشرعية الخاصة برفع الحرج، وعن كل مبدأ من هذه المبادئ تفرغت عدة فروع واستنبطت جملة أحكام.
وهذه بيان المبادئ الخاصة بدفع الضرر، وأمثلة مما تفرع عن كل مبدأ منها:
1- الضر يزال شرعا: من فروعه: ثبوت حق الشفعة للشريك أو الجار، وثبوت الخيار للمشتري في رد المبيع بالعيب وسائر أنواع الخيارات، والجبر على القسمة إذا امتنع الشريك، ووجوب الوقاية والتداوي من الأمراض، وقتل الضار من الحيوان، وتشريع العقوبات على الجرائم من حدود وتعازير وكفارات.
2- الضرر لا يزال بالضرر: من فروعه: لا يجوز للإنسان أن يدفع الغرق عن أرضه بإغراق أرض غيره، ولا أن يحفظ ماله بإتلاف مال غيره، ولا يجوز للمضطر أن يتناول طعام مضطر آخر.
3- يتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام: من فروعه: يقتل القاتل لتأمين الناس على نفوسهم، وتقطع يد السارق لتأمين الناس على أموالهم، ويهدم الجدار الآيل للسقوط في الطريق العام، ويحجر على المفتي الماجن، والطبيب الجاهل، والمكاري المفلس، يباع مال المدين جبراً عنه إذا امتنع عن بيعه وأداء دينه، تسعير أثمان الحاجيات إذا غلا أربابها في أثمانها، يباع الطعام جبراً على مالكه إذا احتكر واحتاج الناس إليه وامتنع عن بيعه، يمنع اتخاذ حانوت حداد بين تجار الأقمشة.
4- يرتكب أخف الضررين اتقاء لأرشدهما: من فروعه: يحبس الزوج إذا ماطل في القيام بنفقة زوجته، ويحبس القريب إذا امتنع عن الإنفاق على قريبه، تطلق الزوجة للضرر وللإعسار، إذا اضطر المريض إلى تناول الميتة أو مال الغير تناوله، إذا عجز مريد الصلاة عن التطهير أو استقبال القبلة صلى كما قدر، لأن ترك هذه الشروط أخف من ترك الصلاة.
5- دفع المضار مقدم على جلب المنافع، ولذا جاء في الحديث: «ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم»، ومن فروعه: يمنع أن يتصرف المالك في ملكه إذا كان تصرفه يضر بغيره، ويكره للصائم أن يبالغ في المضمضة أو الاستنشاق.
6- الضرورات تبيح المحظورات: من فروعه: من اضطر إلى مخمصة إلى ميتة أو دم أو أي محرم فلا إثم عليه في تناوله، من لم يستطيع الدفاع عن نفسه إلا بالإضرار بغيره فلا إثم عليه في الدفاع به، من امتنع من أداء دينه يؤخذ الدين من ماله بغير إذنه.
7- الضرورات تقدر بقدرها: من فروعه: ليس للمضطر أن يتناول من المحرم إلا قدر ما يسد الرمق، ولا يعفى من النجاسة إلا القدر الذي لا يمكن الاحتراز منه، وأحكام الرخص تبطل إذا زالت أسبابها، فالتيمم يبطل إذا تيسر التطهير بالماء، والفطر يحرم في رمضان إذا أقام المسافر الصحيح، وكل ما جاز لعذر يبطل زواله.
وهذا بيان المبادئ الخاصة برفع الحرج وأمثلة مما يتفرع عنها:
1- المشقة تجلب التيسير: من فروعها: جميع الرخص التي شرعها الله ترفيهاً وتخفيفاً عنة المكلف لسبب من الأسباب التي تقتضي هذا التخفيف.
وهذه الأسباب بالاستقراء سبعة:
السفر: ومن أجله أبيح الفطر في رمضان، وقصر الصلاة الرباعية، وسقوط الجمعة، والجماعة، والتيمم.
المرض: ومن أجله أبيح الفطر في رمضان، التيمم، والصلاة قاعداً، وتناول المحرم للعلاج.
الإكراه: ومن أجله أبيح للمكره التلفظ بكلمة الكفر، وترك الواجب، وإتلاف مال الغير، وأكل الميتة، وشرب الخمر.
النسيان: ومن أجله رفع الإثم عمن ارتكب معصية ناسياً، ولم يبطل صوم من أكل في نهار رمضان أو شرب ناساً، ولم تحرم ذبيحة من ترك التسمية عليها عند ذبحها ناسياً.
الجهل: ومن أجله ساغ رد المبيع بالعيب لمن اشتراه جاهلاً بعيبه، وساغ فسخ الزواج بالعيب لمن تزوج جاهلاً به، واغتفر التناقض في دعوى النسب للجهل، وكذلك اغتفر التناقض للوارث والوصي وناظر الوقف للجهل.
عموم البلوى: ومن أجله عفي عن رشاش النجاسات من طين الشوارع وغيره مما لا يمكن الاحتراز عنه، وعفي عن الغبن اليسير في المعاوضات.
النقص: ومن فروعه: رفع التكليف عن فاقد الأهلية كالطفل والمجنون، ورفع بعض الواجبات عن الأرقاء وعن النساء، ولذا لا تجب عليهن الجمعة ولا الجماعة، ولا الجهاد.
2- الحرج شرعاً مرفوع: من فروعه: فبول شهادة النساء وحدهن فيما لا يطلع عليه الرجال من عيوب النساء وشئونهن، والاكتفاء بغلبة الظن دون التزام الجزم والقطع في استقبال القبلة وطهارة المكان والماء والقضاء والشهادة، ومن فروعه: ما قرروه من انه إذا ضاق الأمر اتسع.
3- الحاجات تنزل منزله الضرورات في إباحة المحظورات: ومن فروعه: الترخيص في السلم، وبيع الوفاء، والاستصناع، وضمان الدرك، وجواز الاستقراض بالربح للمحتاج، وغير ذلك مما فيه العقد أو التصرف على مجهول أو معدوم، ولكن قضت به حاجة الناس.
ومما يتفرع على هذا المبدأ حكم كثير من عقود المعاملات وضروب الشركات التي تحدث بين الناس وتقتضيها تجارتهم، فإنه إذا قام البرهان الصحيح، ودل الاستقراء التام على أن نوعاً من هذه العقود والتصرفات صار حاجياً للناس بحيث ينالهم الحرج والضيق إذا حرم عليهم هذا النوع من التعامل، أبيح لهم قدر ما يرفع الحرج منه ولو كان محظوراً لما فيه من الربا أو شبهته، بناء على أن الحاجيات تبيح المحظورات كالضرورات، وتقدر بقدرها كالضرورات.
قال صاحب الأشباه والنظائر: (ومن ذلك الإفتاء بصحة بيع الوفاء حين كثر الدين على أهل بخارى، وهكذا مصر، وقد سموه بيع الأمانة... وفي القنية والبغية: يجوز للمحتاج الاستقراض بالربح).